responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 22  صفحه : 182
أَمَّا قَوْلُهُ: وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ أَيْ مِنْ غَمِّهِ بِسَبَبِ كَوْنِهِ فِي بَطْنِ الْحُوتِ، وَبِسَبَبِ خَطِيئَتِهِ، وَكَمَا أَنْجَيْنَا يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ كرب الحبس إذ دعانا: كذلك نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ مِنْ كَرْبِهِمْ إِذَا اسْتَغَاثُوا بِنَا.
رَوَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «دَعْوَةُ ذِي النُّونِ فِي بَطْنِ الْحُوتِ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ، إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، مَا دَعَا بِهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ قَطُّ وَهُوَ مَكْرُوبٌ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّه دُعَاءَهُ» .
/ قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : قُرِئَ نُنْجِي وَنُنَجِّي وَنَجَّى وَالنُّونُ لَا تُدْغَمُ فِي الْجِيمِ، وَمَنْ تَمَحَّلَ لِصِحَّتِهِ فَجَعَلَهُ فَعَّلَ وَقَالَ: نَجَّى النَّجَاءَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَرْسَلَ الْيَاءَ وَأَسْنَدَهُ إِلَى مَصْدَرِهِ، وَنَصَبَ الْمُؤْمِنِينَ بِالنَّجَاءِ، فَتَعَسَّفَ بَارِدَ التعسف.

[سورة الأنبياء (21) : الآيات 89 الى 90]
وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (90)

الْقِصَّةُ التَّاسِعَةُ، قِصَّةُ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السلام
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ انْقِطَاعَ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى رَبِّهِ تَعَالَى لَمَّا مَسَّهُ الضُّرُّ بِتَفَرُّدِهِ، وَأَحَبَّ مَنْ يُؤْنِسُهُ وَيُقَوِّيهِ عَلَى أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَيَكُونُ قَائِمًا مَقَامَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَدَعَا اللَّه تَعَالَى دُعَاءَ مُخْلِصٍ عَارِفٍ بِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنِ انْتَهَتِ الْحَالُ بِهِ وَبِزَوْجَتِهِ مِنْ كِبَرٍ وَغَيْرِهِ إِلَى الْيَأْسِ مِنْ ذَلِكَ بِحُكْمِ الْعَادَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عنهما: كَانَ سِنُّهُ مِائَةً وَسِنُّ زَوْجَتِهِ تِسْعًا وَتِسْعِينَ.
أَمَّا قَوْلُهُ: وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي جُمْلَةِ دُعَائِهِ عَلَى وَجْهِ الثَّنَاءِ عَلَى رَبِّهِ لِيَكْشِفَ عَنْ عِلْمِهِ بِأَنَّ مَآلَ الْأُمُورِ إِلَى اللَّه تَعَالَى. وَالثَّانِي: كَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «إِنْ لَمْ تَرْزُقْنِي مَنْ يَرِثُنِي فَلَا أُبَالِي فَإِنَّكَ خَيْرُ وَارِثٍ» .
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاسْتَجَبْنا لَهُ أَيْ فَعَلْنَا مَا أَرَادَهُ لِأَجْلِ سُؤَالِهِ، وَفِي ذَلِكَ إِعْظَامٌ لَهُ، فَلِذَلِكَ تَقُولُ الْعُلَمَاءُ بِأَنَّ الِاسْتِجَابَةَ ثَوَابٌ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِعْظَامِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى فَهُوَ كَالتَّفْسِيرِ لِلِاسْتِجَابَةِ وَفِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَصْلَحَهَا لِلْوِلَادَةِ بِأَنْ أَزَالَ عَنْهَا الْمَانِعَ بِالْعَادَةِ، وَهَذَا أَلْيَقُ بِالْقِصَّةِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَصْلَحَهَا فِي أَخْلَاقِهَا وَقَدْ كَانَتْ عَلَى طَرِيقَةٍ مِنْ سُوءِ الْخُلُقِ وَسَلَاطَةِ اللِّسَانِ تُؤْذِيهِ وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ نِعَمِهِ عَلَيْهِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَهَا مُصْلِحَةً فِي الدِّينِ، فَإِنَّ صَلَاحَهَا فِي الدِّينِ مِنْ أَكْبَرِ أَعْوَانِهِ فِي كَوْنِهِ دَاعِيًا إِلَى اللَّه تَعَالَى فَكَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَأَلَ رَبَّهُ الْمَعُونَةَ عَلَى الدِّينِ وَالدُّنْيَا بِالْوَلَدِ وَالْأَهْلِ جَمِيعًا. وَهَذَا كَأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الظَّاهِرِ لِأَنَّهُ إِذَا قِيلَ:
أَصْلَحَ اللَّه فُلَانًا فَالْأَظْهَرُ فِيهِ مَا يَتَّصِلُ بِالدِّينِ، وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ لَا تُفِيدُ التَّرْتِيبَ/ لِأَنَّ إِصْلَاحَ الزَّوْجِ مُقَدَّمٌ عَلَى هِبَةِ الْوَلَدِ مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى أَخَّرَهُ فِي اللَّفْظِ وَبَيَّنَ تَعَالَى مِصْدَاقَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَقَالَ: إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأَرَادَ بِذَلِكَ زَكَرِيَّا وَوَلَدَهُ وَأَهْلَهُ فَبَيَّنَ أَنَّهُ آتَاهُمْ مَا طَلَبُوهُ وَعَضَّدَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ مِنْ حَيْثُ كَانَتْ طَرِيقَتُهُمْ أَنَّهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ، وَالْمُسَارَعَةُ فِي طَاعَةِ اللَّه تَعَالَى مِنْ أَكْبَرِ مَا يُمْدَحُ الْمَرْءُ بِهِ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى حِرْصٍ عَظِيمٍ عَلَى الطَّاعَةِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً قُرِئَ رغبا ورهبا وهو كقوله: يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 22  صفحه : 182
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست